Abu Hisham Saquafi

Official Website Of Hafiz Ilyas Saquafi Padaladka

Saturday, September 6, 2025

خطبة صلاة الكسوفين

بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ للهِ، نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ إلى يومِ الدينِ؛ أمَّا بعد:
فقال اللهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
عبادَ اللهِ، يقولُ ربُّنا تباركَ وتعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، واللهُ عزَّ وجلَّ إذا أذِنَ بخرابِ العالمِ والنفخِ في الصورِ، فإنَّهُ يَجري قبلَ ذلكَ أحداثٌ عظيمةٌ وتغيراتٌ رهيبةٌ في الأرضِ وفي السماءِ، وكلَّما اقترَبَ الزمانُ من قيامِ الساعةِ، حصَلَ في الأرضِ أحداثٌ مُؤذِنَةٌ بذلكَ، ولذلكَ أخبَرَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عن أمورٍ من الاضطرابِ والفوضَى التي تُصيبُ الناسَ من كثرةِ الهرجِ والقتلِ، وما يُصيبُ الأرضَ في جَوِّها، وفي قَرارِها، وهوائِها ومائِها ومطرِها وشمْسِها، واللهُ -عزَّ وجلَّ- يوقِظُ بهذهِ الأحداثِ الغافلينَ، ويُنَبِّهُ العاصينَ، ونحنُ نرى في الأرضِ اليومَ تغيراتٍ، تارةً بغُبارٍ عارمٍ، وتارةً بسيلٍ جارفٍ، وتارةً بزلْزالٍ، ولا شكَّ أنَّهُ نذيرٌ بقُربِ تغيراتٍ أُخرى أكبرَ وأشمَلَ، أعظمَ وقعًا وأخطَرَ.
أيها المؤمنونَ، من الآياتِ التي أخبَرَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ عنها قُبَيلَ قيامِ الساعةِ ما جاءَ في قولِه: (بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ)، فأمَّا الخسفُ، فهو ذَهابُ الشيءِ في الأرضِ، وأمَّا المسخُ، فهو تغييرُ الخِلقَةِ إلى أُخرى أقبحَ، وأمَّا القذفُ، فهو الرميُ بالحجارةِ.
فإذا كثُرَتِ المعاصي في الأرضِ، وعَمَّ الفسادُ، يَبْدأُ الهلاكُ العامُ بالحصولِ، ولو كانَ هنالكَ صالحونَ، فإنَّهُم يَعُمُّهُم العذابُ؛ لأنَّهُم لم يأمروا بالمعروفِ وينهَوْا عن المنكرِ، فإذا صاروا مُصلحينَ استثناهُمُ اللهُ من العذابِ، وقد جاءَ هذا الوعيدُ؛ أيِ: الخسفُ والمسخُ والقذفُ لأُناسٍ من أهلِ المعازفِ والغناءِ، وشُرَّابِ الخمورِ، وهذا الاسترسالُ في الحرامِ قد وقَعَ منهُ الآنَ أشياءُ كثيرةٌ، فأمَّا الزلازلُ فقد قالَ أهلُ العلمِ: إنَّها قد وقَعَ منها الشيءُ الكثيرُ فيما تقدَّمَ، وهلَكَ بسببِها خَلْقٌ كثيرٌ.
أيها المؤمنونَ، إنَّ من أشراطِ الساعةِ الكُبرَى ثلاثةَ خُسوفٍ عظيمةٍ جدًّا، وهي أعظمُ ما يُصيبُ الأرضَ من الخسفِ على الإطلاقِ، ولذلكَ صارتْ من أشراطِ الساعةِ الكُبرَى، وأخبَرَ عنها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فقد روى مسلمٌ في صحيحِهِ عن النبيِّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنَّهُ قالَ: (إنَّ الساعةَ لن تقومَ حتى ترَوْا قبلَها عشرَ آياتٍ، فذكَرَ الدُّخَانَ والدجَّالَ والدَّابَّةَ، وطلوعَ الشمسِ من مغربِها، ونزولَ عيسَى ابنِ مريمَ عليهِ السلامُ، ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خُسوفٍ: خسفٌ بالمشرقِ، وخسفٌ بالمغربِ، وخسفٌ بجزيرةِ العربِ، وآخرُ ذلكَ نارٌ تخرجُ من اليمنِ تطرُدُ الناسَ إلى مَحشَرِهم).
أخبَرَنا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أنَّ الخسوفاتِ التي هي من علاماتِ الساعةِ، تقعُ في أماكنَ ثلاثةٍ، المكانُ الأولُ: جهةُ الشرقِ والمرادُ بهِ مشرقُ المدينةِ، ولا شكَّ أنَّ المقصودَ موضعٌ بالمشرقِ وليسَ جميعَ أرجائِهِ، والمكانُ الثاني: جزيرةُ العربِ، وليسَ بالضرورةِ أنْ يشملَ جميعَ أرجائِها، بل ربَّما أتى على بعضِ قبائلِها؛ كما جاءَ في "المُسنَدِ"، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: (لا تقومُ الساعةُ حتى يُخسَفَ بقبائلَ، فيُقالُ مَن بَقِيَ من بني فلانٍ)، والمكانُ الثالثُ: جهةُ الغربِ والمرادُ بهِ غربُ المدينةِ النبويةِ، والمقصودُ منهُ ليسَ عمومَ المغربِ، وإنَّما موضعٌ منهُ، واللهُ أعلمُ.
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، وفي سُنَّةِ سيدِ المرسلينَ، أقولُ ما تسمعونَ وأستغفرُ اللهَ لي ولكم إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ.

No comments: